مقالات صحفية

“جائزة نوبل … التفاهة” بقلم الدكتور انطون حداد

معروف عن الرئيس الاميركي ترامب أسوة بأغنياء العالم خصوصا” الذين أتت ثرواتهم من إرث لم يجهدوا به أو من تجارة وصفقات في أغلبها مشبوه ( لا داع للأمثلة) لا تؤمن لهم ثرواتهم الرضا والارتياح الداخلي بما يوازي ما يمنح لهم من تقدير ذائف أو مصلحي .ونظرا” لما بات للمال من أهمية في عالم اليوم فقد بات هؤلاء كالنجوم من غير بريق .
نعم للمال أهميته على المستوى الدولي كما على المستوى الفردي .
إن مقام الدول وتصنيفها وموقعها في النظام العالمي يعود الفضل فيه لما تملك من ثروات بالدرجة الاولى تنعكس على قوة الدولة الاقتصادية والعسكرية. لقد كان لاكتشاف القارة الاميركية المعدومة التأثير آنذاك بالنسبة لبقية العالم الأثر الكبير في إعطائها قيمة مضاعفة نتيجة أكتشاف ما فيها من ثروات إنعكست قوة إقتصادية وعسكرية جعلتها تتربع على زعامة العالم منفردة خلال العقود الاربعة الاخيرة. والمنافسة التي تواجهها اليوم من جانب الصين وروسيا خاصة وربما … نابعة من هذين البعدين وبروز قوتهما الاقتصادية والعسكرية.
بالعودة الى الافراد الذين أتت ثرواتهم من إرث أو تجارة باتت منذ قرون ربما ما بعد أنظمة القبيلة والعشيرة تمنحهم مكانة أعلى تخولهم تبوء مراكز قيادة أو زعامة لم تكن متاحة لهم في عهود سابقة بهذ الشكل الفاضح المتاح في القرون الاخيرة .
في الولايات المتحدة ومنذ حوالي العقدين من الزمن كانث القوانين الاميركية تحدد سقوف مالية للحملات الانتخابية للمرشحين الى الرئاسة كي تبق الاولوية للكفاءة والمؤهلات الفكرية. لكن إلغاء هذه السقوف علنا” بات لهؤلاء الاغنياء حظوظا” تفوق ما لأهل الكفاءة والاختصاص، خصوصا” مع الحملات الدعائية المكلفة التي باتت العامل الاساس في التأثير على الرأي العام.
من هنا بات مستوى الرؤساء مؤخرا” وفي أغلب الأحيان وخاصة في أميركا يأخذ منحا” انحداري التقيم الفكري والاخلاقي( وبشكل فاضح بعد بايدن الخرف والمثلي) ، وحيث ضرب الرئيس الحالي ترامب بكل التقاليد والقيم والبروتوكولات الرئاسية عرض الحائط من إهانة الرؤساء الضيوف والنزول عن السجادة الحمراء ومرافقة الحرس بدل الملك…
هذا الواقع دفع بالبلدوزر (توصيف فارس سعيد) المتوج ترامب رغم الثروة والمال بالسعي نحو العرفان والتقدير( أنظر منشورنا على لنكدن Linkdin) الضروريان لاكتمال النشوة وإشباع الغرائز وللتغطية على جوانب النقص التي لم تملأها الثروة والسلطة ( وهي أعلى المرامي الشخصية وما بالك برئيس أميركا)، وهذا ما حدا به الى سرقة ميدالية في حفل تتويج بطل كأس العالم للأندية لمرتين رغم مطالبة رئيس الاتحاد له بإرجاعها وذلك لشعوره بالنقص، كونه لم ينل عربون تقدير( شهادة أو ميدالية)على كفاءة لا تؤمنها مراكمة رأس المال.
وفي الاطار ذاته يأتي سعيه الدؤوب ومطالبته بجائزة نوبل للسلام كشهادة تقدير وعرفان له مسوقا” لها ومطالبا” بإلحاح وصل حد تهديد الدولة المانحة لها النرويج( كما يشاع وهو سبق وهدد بضمها لأميركا).
رغم إخفاقه في إطفاء نار الحرب الاوكرانية الروسية وفي حماية المدنيين الغزيين من الابادة على الاقل…اتى ايعازه بإقاف الحرب على غزة في جانب منها كمحاولة تعزيز حظوظ… لم ينج تبرير المانحين بحجة إتخاذ القرار قبل وقف الحرب على غزة.
أعلنت النتيجة وفازت النائبة وزعيمة المعارضة الفنزولية ماريا. ك. ماتشادو بجائزة نوبل للسلام !!! فهل خسر ترامب السباق؟؟؟
للوهلة الاولى لدى العامة، وبالتحليل النفسي والقراءة في أعماق نفس ترامب التواقة الى شهادة تقدير : نعم واثقة، شعر بالخسارة أو الهزيمة. وجوابه على سؤال : انا أستحق الجائزة وأوقفت حرب غزة وحروب أخرى يدعم هذه الثقة .لكن بالتحليل السياسي ينبغي الذهاب أبعد من مجرد جواب بنعم أو كلا.
بالرجوع الى الواقع الجيو سياسي في القارة الاميركية وخاصة في ملف العلاقات الفنزولية كقائدة لمحور العداء لسياسات البيت الابيض وأجواء توتر بلغت حد المواجهة المفتوحة وقصف البوارج الترامبية لقوارب الصيادين الفنزوليين بحجة اتجار المخدرات مع أن هناك فرق اميركية خاصة لهذه المهمات.
المحظية ماتشادو بمعارضتها لحكم الرئيس مادورو خليفة بوليفار فنزويلا “هوغو شافيز” وتأييدها للأميركي في عدوانه على سيادة بلادها والأهم تصريحاتها بأن لفنزويلا واسرائيل عدو مشترك واعتزازها كون بلادها كانت أول الدول المعترفة بتقسيم فلسطين وقيام دولة يهودية والأهم وعدها بالأعتراف بيهودية الدولة وبنقل سفارة بلادها الى تل الربيع( أبيب) أسوة بأميركا ترامب يدفع الى القول أن نتنياهو وضع يده في فم ترامب مرة جديدة للتنازل عن حلم عمره، وب “المونة”(فتح الميم) على النرويج و/أو اللجنة المانحة للجائزة( لطالما ظغط اللوبي اليهودي لإيصال نروجيين كرؤساء ومبعوثين دوليين لمؤسيات أممية) ومنحها لماتشادو (ترامب الانثى)، ولا حرج طالما منحت جائزة السلام ل رئيس الوزراء اليهودي مناحيم بيغن ربما لاستحقاقه على غزو لبنان 1982 وتدمير عاصمته بيروت !!!.
من هنا يصبح السؤال شرعي وإن فاقد القيمة في زمن التفاهة: الم يعد هنالك من سعاة للسلام في العالم ؟؟! لماذا لم تمنح الجائزة ل الناشطة السويدية راشيل كوري التي استشهدت دفاعا” عن الانسانية التي كانت تباد بصمت وتواطؤ عالمي يدعى حر؟؟ ومن المفترض والعادل أن تمنح لأمثالها وتحديدا” للمدافعين ضد الابادة في فلسطين او روندا أو الصومال ؤاريتريا وسواها حول العالم. وبذلك تبعد عن كل حليف لأميركا والكيان اليهودي تحديدا” (داعمي ومشعلي حروب الابادات)مع الاستغراب هل ممكن ان يرشح لها أمثال ترامب وماتشادوا ؟؟
كان من الممكن تفهم هذا المنح لأي منهما لو انهما عارضا الابادة وتجويع المدنيين والاطفال الغزيين .أو إن أظهر النظام الفنزويللي يشن حرب إبادة ضد معارضيه، وقد ظهرت “البطلة” ماتشادو تصول وتجول مع مواكب مؤيديها شوارع فنزويلا وهي توزع ابتساماتها العريضة دون اغتيالات أو اعتقالات أو ترحيل كما يحصل في اميركا ترامب في أفظع أشكال العنصرية وترحيل أبناء مكسيكو( المسلوخة من المكسيك) المكسيكيين أو طرد صاحب أي منشور ممكن يدين الابادة في غزة وقمع المتظاهرين بعنف موصوف.
عندما تمنح هذه الجائزة للبطل العالمي الانساني نيلسن مانديللا وزميله دوكليرك لجهودهما ضد الابادة أو العظيم مارتن لوثر كينغ الذي حارب العنصرية سلميا” ..ً. لنصل الى زمن يصبح الخيار بين التافه والاتفه من حيث دعمهما (للإبادة عكس من سبق ذكرهم) يوضح حجم تفاهة الواقع والمشهد العالمي بشكل يصعب معه مغالطة Alain Dono في توصيفه بأننا نعيش في ظلال” نظام التفاهة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى